منوعات

بعد عجزه عن تأليف حكومة… الحريري يطلق صفارة البازار الانتخابي

من المربّع الحكومي إلى بازار الانتخابات النيابية، بدّل الحريري دائرة معركته السياسية بعد عجزه عن تأليف حكومة إلى معارك التنافس الانتخابي عبر إطلاق الشعارات والأفكار الشعبوية. وعبر بوابة تفجير مرفأ بيروت، الذي تبلغ ذكراه المشؤومة العام الأول بعد أيّام، يدخل رئيس تيّار المستقبل إلى السجالات المتعلّقة بالحصانة التي تحول دون اقتياد المسؤولين في الدولة وكل السلطات المتعاقبة منذ دخول مادة نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت حتى الانفجار الكبير.

رئيس الحكومة السابق وخلال المؤتمر الصحافي المفاجئ الذي عقده في بيت الوسط، رسم خارطة مواجهة جديدة مع رئاسة الجمهورية، عنوانها رفع الحصانات والتحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، سرعان ما تحوّلت إلى جدال مشتعل على مواقع التواصل الاجتماعي، دخل على خطوطها “تيار المستقبل” من جهة، و”التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” من جهة أخرى. إلى أن أتاه الرد الساخر من رئيس حزب القوّات اللبنانية سمير جعجع بقوله أن “رفع الحصانة أصبح موضة” وساهم في حرب الكترونية شعواء لا تزال تدور رُحاها على الفضاء العنكبوتي، عجزت الخوارزميات عن تبيان مراميها.

وبحسب النائب البيروتي، فإن كتلة “المستقبل” تقدمت باقتراح لتوقيع عريضة نيابية تهدف إلى الدعوة إلى تعليق الحصانات التي يوفرها الدستور وسائر القوانين للرؤساء والوزراء والنواب والقضاة وسائر الموظفين، بهدف مثول جميع من يستدعيهم المحقق العدلي أمامه في قضية انفجار مرفأ بيروت.

في وقت يستمر فيه العبث السياسي في مسار التحقيق في انفجار المرفأ، وتتواصل الالتباسات في ضوء الادعاءات التي وجهها القاضي طارق بيطار بحق نواب ووزراء وأمنيين، وقابلها مجلس النواب بمسار آخر يمنع محاكمتهم أمام القضاء العدلي، عبر العريضة التي وقّعها عدد من النواب لمثول الوزراء السابقين المدّعى عليهم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، تأتي مطالعة الحريري القانونية لتزيد من منسوب الاستثمار السياسي الذي لا يُفيد سوى بإثارة المزيد من الفوضى في مسارات التحقيق ومزيد من اللّوعة في قلوب أهالي الضحايا الذين يحيون الذكرى السنوية الأولى لفراق أحبتهم.

وبعد عام من الصمت المدوّ دعا الحريري إلى تعليق كل المواد الدستورية والقانونية التي تعطي حصانة أو أصولاً خاصة بالمحاكمات، لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء والنواب والقضاة، وللموظفين وحتى للمحامين، للوصول إلى الحقيقة في قضية تفجير مرفأ بيروت. وركّز الحريري على ضرورة شمول التحقيق كل الخلفيات، وليس حصر التحقيقات بالمسؤولين والوزراء، بل التركيز على من أتى بهذه المواد وسمح لها بالبقاء، ودفع ثمنها، قائلاً “النيترات بقيت في المرفأ بأمر قضائي. وأكبر رئيس وزراء أو رئيس جمهورية لا يستطيع أن يتحرك أمام أمر قضائي”.

رفع الحصانات من “فوق لتحت” من أجل الحقيقية تبدو الفكرة ممتازة، ولكن ما طرحه الحريري من تعليق للمواد الدستورية غير قابل للتطبيق وليس بإمكانه خلال الدورة الاستثنائية لمجلس النواب أن يقدّم اقتراح قانون تعديل دستوري، بحسب خبراء قانونيين، وعليه فإنّ هذا الاقتراح يستوجب أن يكون المجلس النيابي في دورة الانعقاد العادي المحددة في المادة ٣٢ من الدستور التي تنص على أنه يجتمع المجلس في كل سنة في عقدَين عاديَّين، فالعقد الأول يبدأ يوم الثلاثاء الذي يلي الـ 15 من شهر آذار / مارس، وتتوالى جلساته حتى نهاية شهر أيار/ مايو، والعقد الثاني يبتدئ يوم الثلاثاء الذي يلي الـ 15 من شهر تشرين الأول/ أكتوبر وتخصّص جلساته بالبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر وتدوم مدة هذا العقد الى آخر السنة.

اقتراح الحريري يشكل مناورة احتيالية أخرى، بحسب مدير “المفكرة القانونية” المحامي نزار صاغية، “هو يوحي زوراً أنّ رفع الحصانات في مجزرة المرفأ يتطلب تعديل الدستور. والحقيقة أن رفع الحصانات يتطلب موافقة النواب على رفعها لا أكثر ولا أقل وهو أمر يتطلّب دقائق. أمّا أن يطلب تعديل الدستور لرفعها فهو كمن يعلق رفعها على أجل مستحيل”.

وفي تعليق له على اقتراح الحريري، اعتبر صاغية أنّ “المنظومة تتفنن في وضع حواجز أمام مطلب القاضي بيطار برفع الحصانات. وبعد تزوير المادة 92 من نظام المجلس، جاءت عريضة نواب العار. والآن يتذرع الحريري زوراً بضرورة تعديل الدستور لتعليق الحصانات وهو أمر مستحيل التحقيق وهدفه إرهاق القاضي في الانتظار”.

في السياسة فإنّ موقف الحريري يُعد ِهجمة مرتدّة وهروب عن طريق المزايدات بعدما أُحرِج أمام الرأي العام، لا سيّما الناخب البيروتي، بعد توقيع نوابه على عريضة الإحالة إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهو يدرك أنّ لا أفق لتحقيق مثل هكذا طرح. إذاً هو طرحٌ إعلامي دعائي. فتعديل الدستور يتطلّب ثلثي مجلس النواب كي يُحال بعدها الى الحكومة لتقدّم مشروع قانون بشأنه يصَوَّت عليه أيضاً بالثلثين تمهيداً لإعادة إرساله للمجلس النيابي وتكرار التصويت هناك، والعقبة الأساسية أنه لا توجد حكومة.

فيما برز من ردود نواب التيار الوطني الحر والقوات والاشتراكي أن هذا الطرح ليس له أفق، تطوّع نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي إلى إعلان تأييد الحريري حول رفع الحصانات عن الجميع قلبًا وقالبًا، وكشف أنه سيوقّع اليوم على الاقتراح بعد توقيع الرئيس الحريري مباشرةً. وقال “سأعمل بدون كلل كي يسلك هذا الإقتراح طريقه، وهذا ردٌّ على كل المزايدات والرياء ويسقط كل أكاذيب المزايدين دفعةً واحدة”…

الطرح الحريري، الذي يُراد منه فتح معركة جديدة ضد رئيس الجمهورية، لا سيّما بعد إعلانه في هجوم حاد له اليوم، الندم على التسوية مع الرئيس ميشال عون، يفتح الباب أمام تعديلات دستورية أخرى تدخل البلد في متاهة جديدة. وصاحب الفكرة يعلم أنّه لا يمكن أن يمر والمطلوب من الحريصين على العدالة بحسب أولياء الدم وأهل القانون الاستجابة لطلبات القاضي البيطار في مهامه بدون فذلكات قانونية وسياسية لا تخدم سوى الحملات الدعائية لأصحابها من الطبقة السياسية والابتعاد عن استخدام دماء الضحايا و”الحقيقة في جريمة 4 آب” في بازار الحملات الانتخابية والمكائد الفئوية.

 

رانيا برو

 

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى